كرة القدم- قصة صداقة مهددة بالتعصب الرياضي

ذلك القروي المرح والفكاهي، ما إن وطأت قدماه أرض مدينة النمور قادما من قريته الوادعة والجميلة، حتى قفز من صندوق السيارة مسرعا، وكان شاردا بفعل الصدمة الحضارية التي تعرض لها، وكل ما كان يختزنه في ذاكرته عن معالم المدينة الساحرة (عرين النمور)، هو السؤال عن شارع الصحافة الشهير.
بينما صديقه الريفي المتغطرس، فقد نشأ وترعرع في أكبـر أحياء المدينة القديمة، ذائعة الصيت والشهرة، وكان ملازما لأسرته المهاجرة.
لطالما التقى الصديقان وتبادلا أطراف الحديث والسمر، ولكن ما إن ينحرف الحوار بينهما إلى الحديث عن كرة القدم ومنافساتها المحتدمة، حتى ينحدر النقاش تدريجيا، وتسقط الروح الرياضية، ويصل الحوار بينهما إلى طريق مسدود ومفترق طرق.
ففريق العميد، بالنسبة لذلك القروي المحبوب، هو صاحب الإنجازات والأرقام القياسية، سواء على المستوى المحلي أو الخليجي أو العربي، وهو الفريق الذي أذاق فرق آسيا مرارة الهزيمة في الشرق والغرب، وهو زعيمها المتوّج لمرتين متتاليتين، ويضم متحفه أكثر من 50 بطولة موثقة بالصوت والصورة، بينما يرى صديقه المتعصب أن خزائن القلعة لا تحتضن سوى ثلاث بطولات دوري رسمية فقط، وعدد قليل من الكؤوس المتفرقة بين المحلية والخليجية والعربية، الرسمية والودية، والتي لا تتجاوز في مجملها 29 بطولة، ولا يوجد في تاريخه أي إنجاز آسيوي يذكر، ويرى أنه لا مجال للمقارنة على الإطلاق، إلا من بطولة "يلو" التي نجحت أسود القلعة الخضر في إضافتها إلى سجل تاريخهم، ولم يهبط العميد إلى هذا المستوى، وهذا ما أثار حفيظة وغضب الرفيق المجنون بحب فريقه الملكي، كما يحلو لمحبيه تسميته، ليجرد الحوار من كل مظاهر التهذيب والاحترام، ويحوله إلى جدال عقيم واتهامات شخصية.
عندها قرر القروي الأنيق الانسحاب من هذا النقاش العقيم، وغادر المكان على الفور، ونطق بصوت خافت متلعثما: لا يمكنني أن أتحمل هذا التجريح والتنمر، وهذا التراشق بالكلمات الجارحة، وحتى لا يتحول هذا الاختلاف في وجهات النظر إلى خلاف شخصي وعداوة، فأنا مضطر آسفا للانسحاب من هذا الحوار، تجـنبا لتصعيد الموقف وتأزيمه، وانقطاع حبل الود الذي يربط بيننا، وحفاظا على شعرة معاوية التي قد تعـيد المياه لاحقا إلى مجاريها.
وبصوت متقطع ومبحوح الحروف، كشف القروي الحليم: مما زاد الطين بلة، وانقلبت الأمور رأسا على عقب ضدي، أنني تحملت وابلا من الاتهامات الباطلة، التي اخترقت مشاعري كالرصاص، وأصبحت في نظر هذا الصديق العزيز، الشخص الجبان الذي يهرب من المواجهة، لذلك أؤكد لكم بكل صدق وأمانة، أن الأهلي هو محبوب الجماهير بجنون، وقد عاد بالفعل لينافس بقوة على الفوز ببطولات آسيا، ولكنه ما زال بحاجة ماسة إلى العقلاء الذين يتحلون بالحكمة والتروي.
